إسكندرية غير
أهل إسكندرية الأقرب إلى قلبي بعد أهل أسوان
وإسكندرية _ كـ محافظة _هي الأقرب إلى قلبي
بعد محافظة أسوان
ولكن ما يميز إسكندرية عن أسوان
هي قرب المسافة بيني وبينها
فـ أستطيع أن " أنط " على إسكندرية
كلما سنحت لي الفرصة
وحين أقول الفرصة أقصد بها الصحة والمال
أما الوقت .. فــ أنا كفيلة به
**
أهرب من جلبة فض مائدة الرحمن
بعد إنتهاء الضيوف من الإفطار
أحب تجهيز وترتيب موائد الرحمن
والإشراف على خدمة ضيوفها
ولكني لا أحب مهمة فض المائدة بعد انتهائها
لذا .. أترك المهمة لــ زملاء أخرين وأهرب أنا
**
أذهب إلى شاطيء عام
دخوله متوقف على بضعة جنيهات
أدفع الجنيهات .. فـ يعطيني الرجل تذكرة مهترئة
ثم يسمح لي بالدخول / النزول إلى الشاطيء
أمُرّ _ أثناء نزولي الدرج _ على ثلاث رجال
يجلسون حول طاولة بيضاء بلاستيكية
عليها فناجين قهوة وعلب سجائر وهواتف محمولة
كانوا يتسامرون فيما بينهم بأحاديث الرجال المعتادة
كرة / دعابات جنسية / سياسة
وواضح انهم افراد أمن
أو موظفين موكل إليهم
مهمة ادارة الشاطيء في الفترة المسائية
**
كــ عادتي حين أمر على أحد وأنا في طريقي
ألقيت السلام عليهم دون أن أتوقف عن نزول الدرج
فـ توقفوا عن أحاديثهم وردوا السلام
استوقفني أحدهم قائلا : نازلة عالشط يا أستاذة ؟
رغم عبثية السؤال
إلا إني توقفت عن النزول وإلتفت إليه
وجاوبت بجدية وكأنه سؤال منطقي : أيوة .. التذكرة أهي
ورفعت يدي بالتذكرة لأريه إياها
فقال لي بنبرة وكأنه يعتذر
" ولو من غير تذكرة خالص ده حضرتك تشرفي "
فقلت له بإبتسامة : شكرا
فقال أخر وهو يقوم من مجلسه ويتجه نحوي
عندنا كل حاجة في الكافتيريا تحت
ثم أعقب بـ جملته
" وفيه شيشة كمان "
قالها بــ فرحة العائد من المعركة بـ غنائم
وبــ نظرة ساحر أخرج لتوه أرنبا أبيضا من قبعته
وينتظر أن يصفق له جمهوره من الأطفال البلهاء
.
.
لم أود أن أحبط فرحته
بأن أرد رد جاف قاطم
يليق بشخصيتي الصارمة
كـ : طيب .. وكفى
هكذا .. " طيب " جافة .. قاطمة .. محبطة
مفسدة للفرحة
وخالية من أي ليونة في التواصل
.
فقد كنت أدرك تماما انه يريد رد فعل ممتن
لِما أوضحه لي من خدمات تقدمها الكافيتيريا
فــ أعطيته ما يريد
بأن رددت عليه بدهشة مصطنعة
حاولت قدر جهدي أن أجعلها دهشة صادقة رغم كذبها
" بجد ؟ .. شيشة كمان ؟!! .. طب كويس والله .. شكرا جدا "
وإبتسمت له واستكملت مسيرة نزولي الدرج
أما هو فـ وجهه تلألأ لـ رد فعلي
وقال لي وهو ينزل معي الدرج
ووجهه يشع بإبتسامة من نال ترقية
إحنا تحت أمرك يا أستاذة
اتفضلي .. اتفضلي .. نورتي إسكندرية كلها
حضرتك من القاهرة مش كدة ؟
فأجبته بــ لطافة
أيوة فعلا
فقال لي : باين من اللهجة
نورتي إسكندرية كلها
قلت له بـ صدق : إسكندرية طول عمرها منورة بأهلها
فقال لي : على راسنا يا استاذة
هاظبطلك بقى ترابيزة على مزاجك
قالها وهرول إلى داخل الكافتيريا
وخرج ومعه شابين
اتجهوا ثلاثتهم نحو الطاولات البلاستيكية
المتناثرة على الشاطيء
وأنا سِرت خلفهم بـ تأني
حتى لا تدخل رمال الشاطيء في حذائي
اختار الرجل طاولة في مكان بعيد نوعا ما
عن باقي الطاولات المشغولة بـ رواد اخرين
وقال لي : مكان هادي أهو
علشان واضح إن حضرتك عاوزة هدوء
فـ ابتسمت له شاكرة وقلت له : تمام كدة .. شكرا
فـ أمر الشابين بأن يجهزوا الطاولة
فقام أحدهم بتنظيف الطاولة بقطعة قماش متسخة سلفا
والأخر قام بعدل وضعية مقعدين حولها
أما الرجل فـ كان يشرف عليهم
ويلقي عليهم أوامر
هات إزازة مية بسرعة
وكوباية نضيفة
وشوفوا طلبات الاستاذة
ثم إلتفت نحوي قائلا
تؤمري بأي حاجة تانية يا أستاذة قبل ما أطلع فوق
فقلت له : شكرا
وأخرجت من حقيبتي ورقة نقدية ودسستها في يده
فنظر فيها وشكرني بفرحة
وقال لي : لو احتجتي أي حاجة انا فوق
ابعتيلي أي حد منهم وأنا أجي لحضرتك
أنا أخوكي إبراهيم
فـ ابتسمت له وشكرته مرة اخرى
وهممت بالجلوس على أحد المقعدين
ووضع حقيبتي على المقعد الأخر
**
جاء أحد الشابين
ووضع أمامي زجاجة مياه معدنية
وسألني : تحبي حضرتك تطلبي دلوقتي ولا كمان شوية ؟
فقلت له : لأ تمام دلوقتي .. الأول إنت إسمك إيه ؟
فقال لي : إبراهيم
فقلت له : برضه ؟!! .. زي زميلك اللي فوق ؟
!!
فضحك وقال لي : أيوة
بس أنا إبراهيم محمد .. وهو إبراهيم عبدالله
فـ ابتسمت له وقلت : عاشت الأسامي يا إبراهيم
ثم طلبت فنجان قهوة مانو
وشيشة لمون نعناع
**
بعد عدة دقائق
جاء لي ولد أصغر في السن عن الإبراهمين
كان يحمل في يده الشيشة
تركها بجانب مقعدي وذهب لإحضار الفحم المشتعل
دقائق قليلة ثم عاد بالفحم
وقبل أن يمد يده بالمنقاش لإلتقاط حبات الفحم
سألته : عندكم كريم كراميل ؟
فـ أجابني : مش عارف .. هاسأل جوة
فقلت له : طيب إبقى إسأل ولو قالولك أه فيه
خلّي إبراهيم يجيبلي واحد كريم كراميل
قال لي : عيوني .. اظبطلك الحجر وأروح أسالهم
فابتسمت له : وقلت له تسلم عيونك
ثم سألته : إسمك إيه بقى ؟
ثم مازحته قائلة : و إوعى تقولي إسمك إبراهيم برضه
فضحك الولد وقال لي : لأ .. أنا إسمي إسلام
فـ ابتسمت ابتسامة خبيثة لا يعلم سببها إلا الله
ثم قلت له : عاشت الأسامي يا إسلام
.
.
ظبط لي " إسلام " حجر الشيشة
بأن أضاف قطع الفحم المشتعل
وانتظر حتى سحبت أول نفس
واخرجت دخان كثيف من فمي وأنفي
وسألني : مظبوط ؟
فقلت له وأنا اهز رأسي بالموافقة : مظبوط .. تمام التمام
فـ ابتسم وقال لي : هاروح أسألك على الكريم كراميل
ولو معندناش هاجيبهولك من برة
فضحكت وقلته له : مش للدرجادي .. لو مفيش مش مشكلة
فقال لي بإصرار وهو يبتعد في طريقه للكافتيريا : لأ هاجيبهولك
فـ ابتسمت له وسحبت نفس من الشيشة
ثم أخرجت الدخان على مهل
**
لم أفعل شيئا
فقط مددت بصري إلى البحر الأسود
وحواف أمواجه البيضاء
كنت أراقب تعاقب الأمواج
وأنظر إلى نقطة بعيدة تتقابل فيها السماء مع مياه البحر
لا أفكر في شيء أبدا
كنت ســ أهم بعمل بعض العمليات الحسابية في عقلي
لمراجعة الميزانية
ولكني هززت رأسي ونفضت عنها أي تفكير
وقلت لنفسي : بعدين .. بعدين
لما ترجعي البيت ابقى احسبي الحسابات براحتك
دلوقتي فضي دماغك وبس
ثم سحبت نفس أخر وأخرجت الدخان على مهل
**
جاء لي إبراهيم وهو يحمل طبق كريم كراميل
تقافز قلبي حين رؤيته
فــ أنا عاشقة لــ حلوى الكريم كراميل
وضع إبراهيم أمامي الطبق
فلم أقاوم ومددت يدي سريعا نحو الطبق
وأنا أطعنه بالملعقة المعدنية الصغيرة
وملئتها بقطعة كريم كراميل ووجهتها إلى فمي
كان طعمها ولا أروع
فخرج مني صوت الإستمتاع : ممممممم جميل أوي
تسلم إيد اللي عمله
فـ ابتسم إبراهيم وقالي لي : ألف هنا وشفا
تؤمري بحاجة تانية يا أستاذة ؟
فـ سألته : إنتوا عندكم كريم كراميل تاني ؟
فقال لي : أيوة .. فاضل طبقين
قلت له : طب هاتهم بسرعة يا إبراهيم
قبل ما حد من الزباين يطلبهم ويخلصوا
فـ ضحك إبراهيم وقال لي : حالا
وذهب بخطوات مسرعة ليلحق بأخر طبقين كريم كراميل
**
قبل أن يأتي إبراهيم بالطبقين
كنت أنا قد إلتهمت وانتهيت من الطبق الأول
ورجعت إلى الشيشة أسحب منها بعض الأنفاس
حتى جاء إبراهيم ومعه ثلاث أطباق من الكريم كراميل
وقال لي باسما : لقيت فاضل تلاتة قلت أجيبهم لحضرتك كلهم
فضحكت وقلت له : جدع
خير ما فعلت يا هيمة .. حطهم على الترابيزة
فـ وضع إبراهيم أطباق حلوى الكريم كراميل
ورفع الطبق الفارغ
ثم نظر إلى حجر الشيشة
وقال لي : هابعتلك إسلام يزودلك الفحم
فابتسمت وقلت له : ماشي
**
إلتهمت _على مهل وبإستمتاع _أطباق الكريم كراميل الثلاث
فلم أكن قد تناولت أي شيء
سوى ثلاث حبات من التمر
كسرت بهم صيامي وقت المغرب
لذا فـقد كان إلتهامي لأربعة أطباق من حلوى الكريم كراميل
كان منطقي بالنسبة لإنسانة لم تأكل شيئا
**
تلقيت مكالمة هاتفية من أحد الزملاء
قال لي : نون .. إنتي فين ؟
إحنا خلصنا خلاص ولمينا الحاجة
هتباتي في إسكندرية ولا هترجعي معانا القاهرة ؟
قلت له : لأ مش هبات .. بس هارجع لوحدي
متعطلوش إنتوا نفسكم واتحركوا بالسلامة
قال لي : ممكن نستناكي .. لسة معانا وقت
الستات عايزين يلفوا
و يروحوا سوق العطارين ويروحوا فتح الله
مش عايزة تروحي معاهم تشتري أي حاجة ؟
فقلت له : لأ ماليش في القصة دي
أنا قاعدة على البحر بشيش مع نفسي
فضحك وقال لي ممازحا بنبرة من يستنجد بــ قشة
أشيشّ معااااكي والنبيييي
قلت له : لو توعدني تيجي لوحدك
وتقعد ساكت ماتوجهليش أي كلام .. هابعتلك لوكيشن
لكن لو هتيجي ومعاك حد من الجماعة
وتدوشوني بحواراتكم يبقى لأ ماتجيش
فضحك وقال لي : لأ والله هاجي لوحدي ومش هافتح بؤي
فقلت له : طب تمام اقفل وهابعتلك لوكيشن
**
حضر زميلي
أوفى بوعده ولم يوجه لي أية كلمة
سوى السلام
جلس على مقعد بجواري
طلب من إبراهيم قهوة مظبوط وحجر تفاح
وفي انتظاره لما طلبه فرد جسده على المقعد
مد قدميه في الرمال على أخرهما
أسند رأسه على ظهر المقعد
و وجّه بصره إلى السماء
كنت أراقبه وهو مستلقي بإسترخاء
كمن يستلقي على فراش وثير
فسحبت نفس من الشيشة ونفثت الدخان على مهل
ثم فعلت مثله
بأن فردت جسدي على المقعد
ومددت قدماي على أخرهما في الرمال
دون أن أعبأ بأن يتسلل إلى داخل حذائي
وسندت رأسي على ظهر المقعد
ومددت بصري إلى السماء
**
يا أستاذة .. يا أستاذ .. حضراتكم نمتوا ؟
!!
انتبهت أنا وزميلي على صوت إسلام
وهو يوقظنا من غفوتنا
فـ لملمنا أشلائنا المترامية خارج مقاعدنا
وعدلنا وضعية أجسادنا فوق المقاعد
وجلسنا كـ طفلين مهذبين
ونحن نمسح من أعيننا أثار غفوتنا المفاجئة
تلاقت نظراتنا فضحكنا
وتبادلنا بعض الكليمات حول التعب والإرهاق
والنوم والصيام والسفر
**
طلبنا من إسلام إحياء شيشاتنا بإضفاء بعض الوِلعة إليها
وطلبنا منه أن يرسل إلينا إبراهيم لنطلب شيئا نشربه
ذهب إسلام لإحضار الفحم
وجاء إبراهيم
طلبت منه شاي بالنعناع
وطلب زميلي سحلب
**
شعرت بحاجة إلى التبول
فـ التقطت حقيبتي واتجهت نحو الكافتيريا
قابلت إسلام متجه نحوي
سألني : ماشية ولا إيه يا أستاذة ؟
فقلت له : لأ ده أنا عايزة أدخل الحمام
فــ أشار لي في اتجاه الكافتيريا
وقال لي : الحمام من برة بعد الكافتيريا
بس ممكن تعدي من جوة الكافتيريا
فشكرته .. واتجهت نحو الحمام
**
بعدما انتهيت من قضاء حاجتي
عرجت على الكافتيريا
لمحت إبراهيم يحضر طلب أحد الزبائن
فسألته عن حساب ما طلبته أنا وزميلي
قمت بدفع الحساب .. وأكرمته في البقشيش
ثم رأيت إسلام فـ أكرمته هو الأخر
بـ بقشيش نظير تظبيط الشيشة
ثم اتجهت نحو الطاولة
ألقيت السلام على زميلي
وقلت له : أنا هاتحرك بقى
أنا دفعت خلاص .. ما تدفعش حاجة
إلا لو هتطلب حاجة جديدة بعد كدة
.
حاول أن يعترض على دفعي للحساب
فلما وجد مني رفض قال : طب استني طيب نروح سوا
معايا عربية وكدة كدة نازل القاهرة
اشرت له بالتحية وأنا ابتعد وقلت له
لأ .. هاسافر لوحدي بــ ميكروباص من الموقف .. يلا سلام
**
مررت على إبراهيم الأخر بصحبة زميليه
ألقيت عليهم السلام
قام إبراهيم من مكانه وهو يحييني ويقول لي
لسة بدري يا أستاذة .. شرفتي ..شرفتي
**
خرجت للكورنيش
أشرت لأول سيارة أجرة
قلت للسائق : موقف القاهرة لو سمحت ؟
فـ أشار برأسه بالموافقة وقال لي : اتفضلي
.
.
وصلت للموقف
سألت أحد السائقين .. عربيات القاهرة فين لو سمحت ؟
سألني : عايزة تروحي رمسيس ولا مشعل ولا الحصري ؟
فقلت له : الحصري
فـ أشار لي بيده لنقطة ما
وقال : هناك يا أبلة
ذهبت إلى ما أشار إليه
وجدت سائق ينادي بجوار ميكروباص
حوسري .. حوسري .. حوسرييييي
فـ لما وجدني اقترب منه سألني : حوسري يا آنسة ؟
فـ أشرت برأسي بالإيجاب
وقلت له : هاخد الكرسيين اللي قدام
فقال لي : محجوزين والله يا آنسة
الأستاذة حجزاهم
وأشار بيده على إحداهن تقف على مقربة من الميكروباص
تنتظر هي الاخرى أن يكتمل بالركاب قبل أن تصعد إليه
فقلت له : طيب فيه حد حاجز في الكنبة اللي ورا خالص ؟
فقال لي : لأ لسة محدش قعد فيها
فقلت له : طيب هاخد الكنبة اللي ورا خالص كلها
فــ تعجب وقال لي : الكنبة اللي ورا اربع تنفار يا آنسة
قلت له : عارفة .. مش عايزة حد يقعد جانبي
فقال لي : تحت أمرك .. اتفضلي اركبي
**
اكتملت السيارة بالركاب
وهممنا بالتحرك حتى أبدت طفلة رغبتها
بصوت عالي وبــ نبرة ريفية
وقالت
عايزة أشوخخخخخخ
ضحك الركاب
فـ أوقف السائق سيارته فور سماع رغبة الطفلة
وقال للأم : انزلي يا سِت دخلي البت حمام الموقف
بدل ما تشوخلنا في العربية
ضحك الركاب مرة أخرى
أما أنا فقد سرحت في تخيل
ماذا لو كنت عصفورة ؟
!!!
كنت ســ أشوخخخخ على الناس من فوق
دون أن أنبههم بأني عايزة أشوخخخخخ
ما أنا هكون عصفورة بقى
:))
______________
إنــتــهــى